بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 22 أغسطس 2014

معالم الطب الفرعوني

       لقد مد اكتشاف برديات الفراعنة الطبية، الخبراء بثروة من المعلومات القيمة، التي أنارت لهم السبيل للولوج ألى مجاهل الطب المصري القديم الذي مورس لمدة تزيد على الثلاثة الالاف عام. وهكذا تيسر لنا استشفاف الآفاق التي وصل إليها هذا الطب وما تركه من أثر في فن التداوي عند الحضارات اللاحقة، ومن بينها حضارتنا العربية في عصرها الذهبي. وبالطبع ما كان لهذا كله أن يتحقق لولا ابتكار المصريين للكتابة الهيروغليفية، التي كانت الوعاء المناسب، الذي نقل عن طريقه المصريون علومهم الينا. ويعتقد " بول غاليونجي و زينب الدواخلي"، في كتابهما " الحضارة الطبية في مصر القديمة" انه لولا اختراع المصريين للكتابة وطريقة تسجيلها على لفائف أوراق البردي، لما تمكنوا من الحفاظ على خبرتهم الطبية وتطويرها.

      ويبدو من دراسة المدونات المذكورة، خلط قدماء المصريين لممارسة الطب مع معتقداتهم الدينية، حيث اعتقدوا بان بعض الأمراض الداخلية تنشا من غضب الآلهة، أو نتيجة لتأثير الأرواح الشريرة وتقمصها لجسد المريض. ولهذا السبب كانت محاولة الشفاء من أعراض هذه الأمراض تقوم على استخدام التعاويذ الدينية في المقام الأول. أما استخدام العلاج الدوائي فقد حل في المرتبة الثانية، وكان الهدف منه علاج الأضرار التي نشأت من دخول الأرواح الشريرة جسد المريض. أما في حالة علاج الأمراض الظاهرة، مثل الكسور والجروح وغيرها، فلقد اعتمدوا على استخدام الخبرة والمنطق في المقام الأول . وكمثال على المزج بين التعاويذ الدينية والدواء في علاج المرض عند المصريين القدامى، نقتبس عن  " جان شارل سورينا "  في كتابه "تاريخ الطب"، ما جاء في بردية ايبرز حول علاج الثعلبة ( مرض يسبب سقوط شعر الراس علي هيئة دوائر ): " التعزيمة: أنت المضيء الذي لا تتحرك من مكانك، الذي يحارب الخطيئة، آتون ( الإله ) نجني مما أصاب قمة الراس. تتلى هذه التعزيمة على الصلصال الأصفر، والحنظل، والهيصم، وحبوب تسمي عين السماء، والعسل ثم تسحق معا ويدهن بها الراس. ".

ولقد عرف أبناء مصر القدامى الكثير من خواص النباتات والمعادن العلاجية، و استخدموا بعض أجزاء جسم الحيوان كعلاج، أما المركبات المعدنية فلم يستخدموها الا في النزر اليسير من وصفاتهم. ونتعرف في وصفاتهم الطبية على البصل والثوم والشبت والخشخاش المخدر، ونباتات النعناع والصبر والمر والمستكي والخروع و ست الحسن والعنب والتوت والكمون وحبوب الكسبرة والصعتر وغيرها. وقد استمر الاعتماد على هذه النباتات خلال القرون التالية ، ولا تزال تستخدم في الكثير من وصفات الطب الشعبي في وقتنا الحاضر. أما الوصفات التي اعتمدت على مكونات حيوانية، فقد اشتملت أشياء متفرقة كثيرة: فمن مخ السمك، الي لبن الحمارة، ومن شعر القطط حتى مرارة السلحفاة ودم الغزال والخفاش، وغيرها. ويبدوا أنه كان للعسل تقدير خاص فاق استخداماته الطبية المتكررة في علاج الكثير من الأمراض الباطنية والجلدية، وهو الأمر الذي يمكن تبينه مما ورد في احدي الرقيات المدونة في "بردية هيرست" : "... تعال أيها العسل تعال مسرعا كالجراد... بسرعة السفينة فيك الشفاء ".

وقد اعتقد المصريون القدامي بشدة في وجود علاقة بين اضطراب الهضم و الإصابة ببعض الأمراض. ويبدوا ان هذا الاعتقاد هو الذي كان يقف وراء إكثارهم من النصح باستخدام المسهلات مثل ثمار التين المجففة، وزيت الخروع لعلاج الكثير من الامراض. وقد عرف المصريون طرقا متعددة لتعاطي الدواء، اشتملت على المراهم، والغرغرات، و التحاميل وقطرات العيون و استنشاق الابخرة، بالاضافة طبعاً ، لتعاطي الدواء عن طريق الفم. ويذكر "هاريس" (JR Harris) في كتابه "وصية مصر"، أن من أهم ملامح الطب المصري ثراء ، اشتماله على اطول تسجيل لاستعمال العقاقير المختلفة التي انتقلت بعد ذلك الى النصوص العبرية والسريانية والفارسية والإغريقية والعربية. أما الباحث " كورليتو"( Corleto ) فيقول بان الوصفات الطبية الفرعونية تحتل مكانا استثنائيا من حيث تنوعها وغناها مقارنة بطب كل الشعوب القديمة الاخرى .

و يخبرنا المؤرخ اليوناني هيرودوت ( Herodotus ) الذي زار مصر حوالي سنة 457 ق.م، عن وجود أخصائيين في أمراض البطن وأمراض النساء و أمراض العين في بلاد الأهرامات انذاك . و يبدوا لنا من هذا، أن المصريين القدامى كانوا قد أدركوا ، في وقت مبكر، أهمية التخصص في ممارسة الطب، وهو الأمر الذي ربما ساعدهم في تطوير طبهم للمستوى الرفيع الذي تخبرنا به البرديات.

ولقد ترك لنا أطباء الفراعنة وصفاً دقيقاُ لبعض الأمراض، مما يدل على معرفتهم الجيدة بها. ويبدو انهم كانوا قد حازوا على خبرة عملية جيدة، في مجال علاج الجروح والكسور وخلع المفاصل ووقف النزيف والتضميد وعمليات الختان. غير أنهم لم يقوموا إلا ببعض العمليات الجراحية البسيطة والسطحية نظرا لضحالة معرفتهم بالتشريح، هذا إذا استثنينا عملية ثقب الجمجمة (trepanning ). وكانت عملية الثقب هذه، تجرى أحيانا كعلاج لبعض الأمراض العصبية والنفسية مثل الصرع والعته، التي كانوا يعتقدون بانها ناتجة عن دخول الأرواح الشريرة الى راس المريض. ومن المعروف أن المصريين هم أول من اكتشف علاقة النبض الذي يقاس عند المعصم بضربات القلب.

___________________________________________________
 Copyright© 2014 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher
 حقوق النشر محفوظة © 2014 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر

الخميس، 21 أغسطس 2014

بردية ادوين سميث، أقدم مراجع طب الجراحة

         يبدو أن مؤلف هذه البردية * كان شخصا غير عاديا البتة، لانه ترك لنا أول بردية طبية تخلو بشكل شبه كامل من السحر والخرافات، عرض في ثناياها ما يعرفه، بطريقة تدل على تعود استخدام الوسائل المنهجية في التشخيص والعلاج. ويتجلى هذا بوضوح، في توالي عرض الحالات التي تضمها البردية ، تبعا لترتيب تشريحي يبدأ باصابات الجمجمة وينتهي بكسور الحوض والفخذين. ومن المدهش التزام المؤلف في كل ذلك، بعرض كل حالة وفقا لمنهج متكرر واحد: أولا التركيز على شكوي المريض،  ومن ثم الالتفات الى فحص العضو المصاب و وصف العلاج الملائم ، وهو المنهج النادر مقابلته في الكتابات الطبية القديمة. وتعالج هذه البردية بشكل خاص، الحالات المتعلقة بالأمراض الظاهرة، كالتشوهات والأورام الظاهرة والجروح وغيرها، وهي التي يختص بها مجال الجراحة في وقتنا الحالي. وتأتى هذه البردية على كتابة كلمتي " دماغ " و " عمود فقري " و وصف الانسجة المحيطة بالدماغ لاول مرة في التاريخ الطبي. كما انها أول وثيقة طبية تورخ لحالة فقدان الصوت بعد اصابة الراس.



وتعود نسخة البردية التي بين يدينا الى حوالي سنة 1700 ق.م. وقد شاءت الاقدار ان تظل محفوظة بحالة جيدة حتى اكتشفت ‘ و بيعت للامريكي ادوين سميث سنة 1862 ، الذي احتفظ بها لنفسه حتى وفاته. وفي سنة 1906 م قامت ابنة " سميث " بإهداء المدونة الى الجمعية التاريخية بنيويورك. وفي سنة 1930 انجز " بريستد " أول ترجمة انجليزية لهذا المرجع الطبي الثمين.

___________________________________________________
 Copyright© 2014 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher
 حقوق النشر محفوظة © 2014 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر

ملاحظة : الصورة المرفقة ترجع لاكاديمية نيويورك للطب (NYAM) وهي موجودة على الرابط ( هنا ).

مواضيع ذات صلة:
  1. بردية ايبرز، أول مراجع الطب الباطني.
___________________________________________
*. البردية : مخطوط مكتوب على ورق البردي، وهو الورق الذي كان يستخدم للكتابة في مصر الفرعونية.

درنة و الطاعون

        لقرون طويلة كان ذكر " الطاعون" أو " الموت الأسود " كفيلا بإثارة أشد حالات الرعب والفزع، وهو الأمر الذي جعل المؤرخين يربطون اسمه بمصائر الولايات والمدن، وليس بأقدار الرجال والأفراد فحسب. ولهذا فللكثير من المدن حكايتها الخاصة عن الطاعون . ولمدينتي الصغيرة " درنة "، النائمة منذ قرون على الشاطئ الليبي حكايتها الخاصة مع الوباء الذي عربد في أزقتها الضيقة الشاحبة، وضواحيها الخضراء الهادئة في أحد أيام سنة 1816 م.

        ومنذ ذلك الوقت حام الوباء حول المدينة الطريدة كل عدة عقود ، ليختطف أرواح بعض الفانين ، من القرى الرعوية المتربة ، التي تتناثر عند أطراف المدينة. ومنذ منتصف القرن الماضي ، بعد هزيمة الطاعون الساحقة على يد المضادات الحيوية ، لم يعد أحد يهتم بالموت الأسود، وانشغل عنه سكان المدينة القدامى بعاديات الأيام التي مرت عليهم فهزتهم من الصميم، وغيرت طباعهم و حياتهم كلياً كأنها للأبد. وتبخرت مع الأيام شخصية درنة التي احتفظت بها بين ذكريات طفولتي وشبابي المبكر، بعد أن ازداد عدد سكانها، الذين أضافوا إلى قصتها، حكايات أمكنة أخرى بعيدة، وضعفت بمرور الزمن ذاكرة المدينة القديمة مع رحيل جل الحواريين القدامى إلى السماء، تاركين عزيزهم مصلوباً بين الجبل والبحر ليتولاه الله، ويتملقه الجناة . وكادت تضيع – مع ما ضاع - حكاية درنة مع الطاعون ، لولا بعض ما ورد عنها بشكل عابر في زوايا الكتب.


الحكاية الضائعة:

        وقد يظن القارئ الحصيف، أنه ربما كان الغرض من مقالي هذا ، التطرق إلى التاريخ الاجتماعي للمدينة ، للتباكي بشوق غامض على أيام طفولتي وشبابي المبكر . غير أن الأمر ليس على هذا النحو، ... هذا على الأقل فيما يبدو لإدراكي الشخصي. ورغم كل شيء، ورغم اعترافي المسالم هذا، فقد يحتج أحد مستوطني " رباية الذايح " من الموضوع برمته ، ويصيح متذمرا ... " أه ... الدراونة بدو لنا في الأسطوانة الدرناوية من جديد!"

         ورغم أن الاحتجاج والشكوك المذكورة قد تكون مبررة بشكل من الأشكال، فإن حقيقة الأمر ليست كذلك . كل ما في الأمر أن الطاعون، يتداخل مع التاريخ الاجتماعي والاقتصادي للمدن التي يستبيحها، مما يتسبب في اختلاط حكايته مع مصائر ضحاياه من المدن في إطار سحري غامض ومثير. وتختلط القصص بمجملها بحكايات فرعية لمصائر أشخاص و عائلات ، وبعض الأساطير و الخرافات.

       ولكن أسطورة درنة وخرافتها مع المرض ضاعت فيما يبدو بسبب ما ذكرته مما حدث للمدينة، وبعد إزالة المسّاحين الغرباء- الذين تولوا إعادة تخطيط المدينة آنذاك- لأحجارها ودورها القديمة التي لا تربطهم بها أي علاقة حميمة، فضاعت مع نقوش الأبواب الأندلسية ، وأجواء الجنائن الغرناطية الطابع، وقراطيس الخزائن العتيقة ذكرى الأحداث.


الهُويّة الضائعة:

      وفي الواقع لا يمكنني أن أستبعد أي شيء، بعد الحادثة التي حصلت لي منذ فترة . وقتها أوقفت سيارة أجرة، ودلفت إليها لاجد نفسي مشاركا المقصورة مع شاب استوقفتني لهجته الغريبة، وبدا لي أكثر شبها بقائد قافلة عابرة ضل طريقه إلى" تمبكتو " البعيدة. وبعد أن أعلنت أمامه وجهتي، باغتني بسؤال - وهو يتفحصني بعيني ذئب، بينما كانت شعرات رأسه الأمامية الصفراء المثبتــة بإحكام بأحد المراهم تلمع-"الاستاذ من وين؟ ".

       في الحقيقة لم أدر وقتها، إذا ما كان السؤال من مستلزمات أحد الأعمال الإضافية التي يمارسها هذا الشاب لكسب المال، غير أني حاولت أن أجاري الحاذق تطفله، وأتملق بديهته الواعدة ، فرددت على سؤاله بسؤال مراوغ : " شنو رايك ؟ " .... وأنا ألفظ الكلمات بأقصى ما أستطيع من رخوة لسان درناوية أصيلة، غير شاك - بأي حال من الأحوال - بمدى وضوح اللهجة ، وسهولة السؤال .

فأجاب متفاخرا :

- الأستاذ عراقي ... قالها بثقة في النفس، وهو ينظر إليَّ بتركيز واضح، تاركا قيادة العربة لرحمة الله .

- فسألته : الأخ درناوي ؟ وأنا أشعر بخيبة أمل كبيرة، حاولت قدر الإمكان أن أخفيها بوضع أصابعي على صدغي الأيسر، في محاولة مني لإخفاء " الستوك " الذي اخذا يتساقط عن وجهي قطعا... قطعا ... ، معلنا عن حقيقة مشاعري العارية .

       تذكرت هذه الحادثة ، وأنا أفكر بأنه ربما قد تكون التفاصيل الدقيقة لحكاية درنة مع الطاعون قد ضاعت هي الأخرى ، مثلما ضاعت هُويَّـتي العزيزة بهذه السهولة، هُويَّـتي التي دافعت عنها مرارا أمام مغريات التجنس بجنسية أجنبية.


       أما الذي أعاد الحياة إلى كل هذه الأفكار والذكريات ، فكانت مطالعتي لما كتبه الدكتور عبد الكريم بوشويرب في صفحة (148) من كتابه (أعلام ومعالم من تاريخ الطب في ليبيا)، حيث قال : " .... وفي سنة 1816 ، ضرب وباء الطاعون مدينة درنة بشكل قوي أدى إلى هلاك كثير من السكان نتج عنه نقص تعداد السكان من خمسة الآف إلى خمسمائة فقط "كما أورد المؤلِّف بعض المعلومات عن هذا الأمر نقلا عما كتبه الطبيب الإيطالي "باولو ديلا شيلا" الذي رافق حملة أحمد باي ،ابن يوسف باشا التي وصلت درنة سنة 1817م .

الحكاية الباردة:

     
         التفاصيل التي أوردها الكتاب كانت حرفية و باردة ، وأزالت كل السحر والغموض الذي تحمله حكاية من هذا النوع ، بما تبعثه في نفسي من شعور طفولي منتشٍ بالغامض والمجهول ، مثل الذي كان يراودني في بيتنا القديم في شارع " وسع بالك !" عندما كان ماء المطر يتساقط في وسط بيتنا ، فأمرح مع أختي الكبرى ، ونختبئ في أحد الأمكنة التي يتساقط قربها الماء من أحد " المزاريب " على البلاط الأحمر العتيق ، ونغني : " يامطر يارشراشة ... هدمي حوش الباشا ... ، ..." وكانت كلمة الباشا وقتها ، تحمل لنفسي خيالات بيت عظيم يسكنه رجل غامض أبيض الشعر، كث اللحية، متورد الخدين، وفتيات صغيرات يرقصن أمامه كالجنيات تحت المطر المتساقط ، فتزداد متعتي وخوفي.

        غير أنه مثلما لم يمحُ اسم " وسع بالك " من خاطري ذكرى المرحوم " إبراهيم الأسطى عمر" و قصة الأصوات الماجنة التي كانت تتناهى إليه من النافذة في الليل ، وهو يكتب خطاباته لجمعية عمر المختار:" ارقد يارهومة ، البلاد والله ما صاير منها "، كذلك لا يمحو كل ما قلناه ، حقيقة إصابة درنة بالطاعون إصابة فتاكة آنذاك ، ظلت حكاياتها تتردد في أزقة المدينة المتعرجة جيأة وذهابا - كروح مقتول تبحث عن خلاصها - حتى وصلت بعد الحادثة بسنة كاملة -إلى أسماع الطبيب " ديلا شيلا " وهو يستلقي قرب الباي في أحد أيام سنة 1817م في أحد الزوايا مستمعا لرجل يتزلف إلى الباي ، محدثا إياه - بطريقة بعض الشيوخ المعسولة - عن الأحداث و الكرامات التي حدثت وقت الوباء ، بينما كانت سحابات الدخان التركي الذي ينفثه الباي ترتفع عبر هواء الغرفة ، كنتف قطن رقيقة تتراقص في الهواء ، وهو ينتظر على مضض انتهاء "العجوز" من حكاياته التي لايصدق منها حرفا واحدا، لكي يختلي إلى طبيبه الإيطالي ويحصل منه على علاج للبواسير التي أصابته، وهو يقود جيشه لإعادة درنة الثائرة لسيطرة باشا طرابلس.

شكوك وملاحظات:

       ورغم برودة حكاية " ديلا شيلا " ، فإني شعرت منذ البداية بمبالغة " ديلا شيلا " في قوله بإنقاص الوباء لعدد السكان إلى خمسمائة فرد فقط. وفكرت، بأن الأمر لو كان صحيحا، لتركت الكارثة فراغا سكانيا كان من الممكن أن يشغله أناس آخرون. وكما اتضح لي فيما بعد ، فلم تكن شكوكي المذكورة بلا مبرر ، فقد تطرق المرحوم مصــطفى الطرابلسي إلى الموضــــوع نفسه في صفحة ( 131 ) من كتابـه ( درنة الزاهرة.. قديمــا وحديثا )، حيث كتب: " ... ومن جهة أخرى، فقد بالغ ( ديلا شيلا ) في قوله عن الوباء الذي اجتاح مدينة درنة أنه هبط بعدد سكانها من سبعة الآف إلى ما لا يزيد عن خمسمائة نسمة ، وهذه مبالغة لا تخفى إذ لو كان ما قاله صحيحا لانقرضت أكثر العائلات بدرنة ، .... ، ولتواترت أخبار هذا الوباء ولروى لنا المعمرون من أبناء الجيل الماضي أخبار هذا الفتك الذريع الذي يشبه الانقراض الكامل لسكان المدينة".

___________________________________________________
 Copyright© 2014 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher
 حقوق النشر محفوظة © 2014 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر

الاثنين، 18 أغسطس 2014

بردية ايبرز، أولى مراجع الطب الباطني

       اذا كانت بردية ادوين سميث تعتبر أقدم أثر طبي جراحي على الإطلاق ، فان بردية ايبرز تحوز على نفس الشرف في مجال " الأمراض الباطنية "، و ذلك لأنها تعود إلى سنة 1550 ق. م . وتسمى البردية نسبة إلى جورج ايبرز (Georg Ebers ) أستاذ علم المصريات السابق بجامعة لايبزيج ( Leipzig ) في ألمانيا. وكان هذا الأستاذ قد اشترى المخطوطة سنة 1872، خلال زيارته لمصر، لتصل عن طريقه الى مكانها الحالي في مكتبة جامعة لايبزيج. ويعتقد بان مكان اكتشاف المدونة كان بالقرب من الأقصر، أما شهرتها الواسعة فترجع لكونها أول بردية طبية ترجمت و نشرت باللغات الغربية، التي كان أولها الألمانية سنة 1874 م.


و تبدأ هذه البردية المكونة من 110 لفافة ، بمقدمة في السحر والرقى والتعاويذ ، ثم لا تلبث أن تأتي على ذكر الوصفات الطبية والعقاقير. و تسجل المخطوطة حوالي 811 وصفة طبية وحوالي 700 دواء، تركب اغلبها من مواد نباتية وحيوانية. ولقد أتت المدونة، على ذكر 29 مرضا من أمراض العين من بينها الرمد الحبيبي، و 15 مرضا من أمراض البطن . كما ورد بالبردية أعراضا تشير الى العديد من أمراض الرئة والجلد، و بعض أمراض الأذن والأنف والأسنان وأمراض المفاصل. أما مرض الصداع النصفي فقد خصص له فصل كامل يتناول العلاجات التي تنفع في علاجه حسب رأي أطباء ذلك الزمان .

ويذكر الباحثون، أن بعض الأعراض التي ترد بين سطور هذه البردية، تشير الى سرطان الرحم، كما تشير أخرى إلى أول وصف لمرض السكري. وتتشابه بعض الأعراض المذكورة في البردية، مع تلك التي يتميز بها مرض البلهارسيا كما نعرفه الان، وهو المرض الذي لا يزل يستوطن ضفاف النيل حتى يومنا هذا.

د. أحمد عبد السلام بن طاهر
أستشاري بقسم الأمراض الباطنة والروماتيزم في مستشفى أويرباخ في المانيا، ورئيس منتدب لقسم أمراض الروماتيزم بمستشفى "قريف" في بولندا، سابقا.
شارك في تأليف مرجع الروماتيزم الألماني الصادر سنة 2001 و 2008
متحصل على شهادة البورد وعلى شهادة الدكتوراة .PhD في طب الروماتيزم
استشاري أول طب الروماتيزم . سنة الحصول على درجة التخصص 1990
متحصل على شهادة البكارليوس في الطب والجراحة عام 1984م.
للاستشارات عن طريق الواتس اب والتيليغرام : 0928665810 (ليبيا)
الايميل: alregwa@gmail.com  

___________________________________________________ 
 Copyright© 2014 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher 
 حقوق النشر محفوظة © 2014 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر

ملاحظات: الصورة المرفقة مصدرها الموسوعة الحرة ، وموقعها على الرابط :
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/8/8b/Ebers7766.jpg

مواضيع ذات صلة:


  1. بردية ادوين سميث، أقدم مراجع طب الجراحة

السبت، 16 أغسطس 2014

الدواء المغشوش عند أطراف أصابعك !

        تؤكد مجموعة كبيرة من التقارير والدراسات الصادرة مؤخرا، بوتيرة متسارعة ، على حدوث زيادة كبيرة في حجم تجارة الادوية المغشوشة في العالم . و تشكل هذه التجارة حجر الزاوية ، فيما يعرف بتجارة المستحضرات الصيدلانية الغير قانونية . وتشتمل هذه المستحضرات على الادوية والمواد الجراحية، امصال الوقاية والتطعيم، وسائل منع الحمل و مواد التحاليل التشخيصية.

حجم المشكلة


         رغم صعوبة تحديد حجم هذه التجارة بدقة ، إلا ان مصادر منظمة الصحة الدولية تقدرها بحوالي 7 -10 % من اجمالي تجارة الادوية في العالم ، وهو ما يتفق مع ما تقول به الجمعية الدولية لمصنعي الدواء( IFPMA ) . وكانت ادارة الغذاء والدواء الامريكية ( FDA ) قد قدرت، سنة 2005 ، قيمة هذه التجارة بما يزيد على 32 مليار دولار سنويا ، مقتربة في ذلك من تقدير المصادر الاوربية. هذا كما لفتت هذه الادارة النظر إلى تزايد عدد قضايا الادوية المغشوشة التي حققت فيها من 4 سنة 1998 إلي 58 سنة 2004 . و من المفزع حدوث مثل هذه الزيادة خلال سنوات قليلة ، في بلد يفتخر بان لديه افضل نظام في العالم لمراقبة توزيع، وتتبع الادوية .

هذا و قد ذكر تقرير صادر عن الاتحاد الاوربي ، ان حوالي 8% من كل المبالغ التي تصرف على المركبات الدوائية في اوربا ، تجد طريقها إلي جيوب المجرمين من صانعي و مروجي العقاقير المغشوشة، كما اضاف بان المصيبة اعظم في دول اوربا من خارج الاتحاد.

واذا كان هذا هو حال الدول المتقدمة ، فلن يبدو مستغربا ان تكون المشكلة - حسب معظم المؤشرات - اكثر تفاقما في اغلب الدول النامية. وللدلالة على ذلك، نشير إلي ما جاء في تقارير ادارة الغذاء والدواء الامريكية ، من ان حوالي 25% من الادوية المتوفرة في الدول النامية - و 50% في بعض انحاء اسيا - هي ادوية مغشوشة، أو من نوعية رديئة، غير مطابقة للمواصفات. ويقترب هذا التقدير مما اعلنته منظمة الصحة الدولية سنة 2003، في احد نشراتها.

سياسة النعامة


         بالرغم من رصد منظمة الصحة الدولية لحوالي 770 حالة غش دوائي بين عامي 1982 و 1999 ، اغلبها حدث في الدول النامية ( حوالي 70 % ) ، خاصة الافريقية منها، إلا ان الجهات الدولية القادرة لم تتخذ آنذاك ، مع الاسف، اي اجراءات رادعة لتفشي هذه الظاهرة. وكان مما سوغ هذا السلوك ، علاقة المشكلة بالعالم النامي ، الذي يصعب التنسيق معه بسبب فساده الاداري ، و ضحالة امكانياته المادية والفنية. كما ساعد التجاهل الذي ابدته الدول المتقدمة حيال هذه الظاهرة في تفاقم المشكلة . وكانت هذه الدول قد استكانت في السابق ، إلي الاعتقاد بقدرة قنواتها المحكمة لايصال الدواء من المنتجين إلى مواطنيها ، على الوقوف بنجاح في وجه هذه التجارة الملعونة. و نتيجة لهذا ولغيره ، ترك العالم النامي يواجه مصيره منفردا لا كثر من عقد ونصف من الزمان.

غير ان الامور اصبحت اكثر تعقيدا منذ منتصف التسعينات ، بعد انتشار تجارة الادوية عبر الانترنت، التي تصعب مراقبتها وملاحقتها محليا أو قاريا. كما زاد الطين بلة، تمكن بعض الشبكات الاجرامية المنظمة ( مافيا الادوية المغشوشة) ، من التسلل إلي الشبكات الرسمية لتوزيع الادوية في الغرب . وكانت هذه الشبكات قد ركزت نشاطها في البداية، علي غش العقاقير الحديثة باهضة الثمن التي تعاظم انتشارها في العقد الاخير، ثم انتقلت بعد ذلك الي غيرها من الادوية. ولهذا تعالت في السنوات الاخيرة، صرخات المسئولين في الدول المتقدمة ، بعد ان وجدوا بلدانهم، لسخرية القدر، تشارك العالم النامي ذات القارب المتعثر.

الغش أنواع


        تذكر مصادر التجمع الخيري لشركات الدواء الالمانية المسمي ( GPHF) بان حوالي 7% من الادوية المغشوشة التي تدور في العالم ، هي متقنة التقليد من ناحية التغليف والمادة الدوائية الموجودة بداخل العلبة ، وعليه فليس هناك ضرر صحي ينتج من تعاطي هذه العقاقير. أما ما يقدر بحوالي 17 % من منها فيكون تغليفها متقنا ، غير ان محتواها الدوائي هو اقل نقاوة و تركيزا من المطلوب، أو ملوثا، أو مصنوعا من دواء اصلي منتهي الصلاحية. و يتخصص الغش بالطريقتين المذكورتين في الادوية غالية الثمن نسبياً ، التي يسمح هامش الربح العالي فيها ، بالسخاء في الانفاق علي الانتاج. وتنتشر العقاقير السابقة في الدول الغنية ، أو تلك التي لها درجة تقنية مرتفعة نسبيا في الرقابة علي الادوية.

و طبقا لابحاث المصدر الالماني المذكور ، فلا تحتوي اغلبية العقاقير المغشوشة التي تسوق في الدول النامية، والدول الغنية المتخلفة تقنيا ،علي اي مركب دوائي ، بل على الماء المعقم ، أو مواد غير ضارة مثل النشا وسكر الجلوكوز وبعض الالوان. ورغم ان هذه الادوية غير ضارة بصورة مباشرة ، إلا انها قد تتسبب في الضرر الفادح ، لتركها من يتعاطاها بدون أي دفاع في وجه مرض فتاك. وتطال اغلب حالات الغش هذه ، ادوية مهمة جدا للعالم النامي ، مثل المضادات الحيوية ، وادوية الملاريا ، و علاجات مرض الايدز ، وعقاقير امراض الاطفال الاكثر انتشارا، كادوية تخفيض الحرارة، وغيرها.

وتشكل المجموعة الثالثة من الادوية المغشوشة ، حوالي 16% من مجموعها العالمي، وهي المجموعة التي تتميز باختلاطها بمواد سامة - اشهرها مادة ثنائي ايثيل القلايكول ( Diethylenglycol )- نتيجة للانتاج الخاطئ في معامل بدائية.

قمة جبل الجليد


        في الواقع، لا احد يعلم علي وجه التحديد عدد الانفس البريئة التي ازهقتها الادوية المغشوشة. غير ان تقارير منظمة الصحة الدولية وبعض المنظمات الاخرى ، تسجل من وقت لاخر بعض ما يطفو على السطح بالصدفة: في العام 1990 سجلت 100 حالة وفاة في نيجيريا بسبب دواء لعلاج السعال مغشوش بمادة سامة. أما في هايتي فقتل 89 شخصا عام 1995، كنتيجة لتعاطي ادوية لتخفيض الحرارة ملوثة بمادة ثنائي ايثيل القلايكول السامة . و حتى سنة 2005 حصدت هذه المادة اكثر من 500 روح آخري. ، وتتغير اعداد الضحايا من تقرير إلى آخر ، وعند الوصول إلى عدد الضحايا في الصين سنة 2001 ، نجد رقما مهولا ( 192000 ضحية ) ، حسب احد المنشورات الاسيوية ، وهو رقم يصعب معه ذكر اي تعليق. أما اعداد من تضرروا ولم يموتوا فلا يعلمها إلا الله.


وبمطالعة التقارير الدولية تطالعنا بعض اسماء الدول الاخري : النيجر، كينيا ، المكسيك، فيتنام ، تايلاند ، سنغافورة ، تركيا ، كمبوديا ، الهند ، باكستان، وغيرها . كما نتعرف من التقارير علي بعض اسماء انواع الادوية الاخرى التي تم غشها: مصل ( تطعيم ) للوقاية من التهاب السحايا، مرهم لعلاج الحروق، علاجات الملاريا ، علاج لتخفيض الوزن، واخري لتخفيض دهون الدم ، مضادات حيوية مختلفة و عقاقير لعلاج الملاريا ومرض الايدز، وغيرها. ولانجد بين في التقارير الدولية اسماء الدول العربية، وهو امر متوقع بسبب ضعف وسائل المراقبة والاكتشاف من ناحية ، و لمعرفتنا بعدم حب دولنا لنشر " الغسيل الوسخ" امام الجميع من الناحية الاخرى ، غير ان هذا لم يمنعنا من اكتشاف بعض هذا " الغسيل " في الصحافة الغير حكومية والاهلية من وقت لآخر.

فتح عينك!


        تنتج اغلب الادوية المغشوشة التي تضبط في العالم حاليا في بلدان اسيوية ( الصين الهند باكستان فيتنام وغيرها ) وكذلك بعض بلدان امريكا الجنوبية. وقد انضمت بعض دول اوربا الغير عضوة في الاتحاد الاوربي، إلي القائمة السابقة في الفترة الا خيرة. هذا و تصلنا ، من وقت لآخر ، بعض التقارير حول ما يعرف بمصانع " تحت السلالم" متخصصة في انتاج الادوية المغشوشة في بعض البلدان العربية .

ورغم عدم تفريق نتائج هذه التجارة الخبيثة بين مجموعة عرقية وآخرى، إلا ان ماسيها تتجسد بكافة ابعادها في الاقطار التي تعاني من كثرة الفقر والجهل والفساد، و تلك التي تتنقل فيها الادوية ، بلا رقيب أو حسيب ، بين الموزعين وارفف الصيدليات ، وبعد ذلك الى ايدي المرضى.

هذا وكانت منظمة الصحة الدولية قد لخصت، ذات مرة ، عوامل استشراء هذه المشكلة في العالم النامي في : نقص ضبط و تسجيل الادوية المستوردة والمباعة، ضعف مراقبة مراكز انتاج الادوية المحلية و عدم كفاءة مراقبة استيراد وتوزيع العقاقير، هذا بالاضافة الى مشكلة تجارة حقائب السفر والتهريب ، وعدم توفر الخبرات البشرية والمختبرات المؤهلة للكشف عن الادوية المغشوشة. ونحن نعاني ايضا في اغلب بقاع وطننا العربي– بدون آية مبالغة - من فائض هذه العوامل.

___________________________________________________ 
 Copyright© 2014 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher 
 حقوق النشر محفوظة © 2014 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر

المراجع (References):

1. AMIN, A. A. & KOKWARO, G.O. (2007): Antimalarial drug quality in Africa.. J Clin Pharm Ther, 32, 429-40.
2. AMIN, A. A., SNOW, R. W. & KOKWARO, G.O. (2005): The quality of sulphadoxine-pyrimethamine and amodiaquine products in the Kenyan retail sector.. J Clin Pharm Ther, 30, 559-65.
3. DEISINGH, A. K. (2005): Pharmaceutical counterfeiting.. Analyst, 130, 271-9.
4. JAMES, J. S. (2005): FDA, companies test RFID tracking to prevent drug counterfeiting.. AIDS Treat News, , 5-8.
5. KELESIDIS, T., KELESIDIS, I., RAFAILIDIS, P. I. & FALAGAS, M.E. (2007): Counterfeit or substandard antimicrobial drugs: a review of the scientific evidence.. J Antimicrob Chemother, 60, 214-36.
6. LON, C. T., TSUYUOKA, R., PHANOUVONG, S., NIVANNA, N., SOCHEAT, D., SOKHAN, C., BLUM, N., CHRISTOPHEL, E. M. & SMINE, A. (2006): Counterfeit and substandard antimalarial drugs in Cambodia.. Trans R Soc Trop Med Hyg  100,  1019-24
7. MCDERMOTT, M. K., ISAYEVA, I. S., THOMAS, T. M., LEE, A. S., LUCAS, A. D., WITKOWSKI, C. N. & HUTTER, J.C. (2006): Characterization of the structure and properties of authentic and counterfeit polypropylene surgical meshes.. Hernia, 10, 1314-42.
8. MONTOYA, I. D. & JANO, E. (2007): Online pharmacies: safety and regulatory considerations.. Int J Health Serv, 37, 279-89.
9. SARKAR, P. & GOULD, I.M. (2006): Antimicrobial agents are societal drugs: how should this influence prescribing?. Drugs, 66, 893-901.
10. VIJAYKADGA, S., CHOLPOL, S., SITTHIMONGKOL, S., PAWAPHUTANAN, A., PINYORATANACHOT, A., ROJANAWATSIRIVET, C., KOVITHVATTANAPONG, R. & THIMASARN, K. (2006): Strengthening of national capacity in implementation of antimalarial drug quality assurance in Thailand.. Southeast Asian J Trop Med Public Health, 37 Suppl 3, 5-10.
11. ONWUJEKWE, O., KAUR, H., DIKE, N., SHU, E., UZOCHUKWU, B., HANSON, K., OKOYE, V. & OKONKWO, P. (2009): Quality of anti-malarial drugs provided by public and private healthcare providers in south-east Nigeria. Malaria journal, 8, 22.
12. ZUMOFF, R. (2007): WHO reports counterfeit drugs are a global calamity.. Nephrol News Issues, 21, 22.
13. LOPES, M. B., WOLFF, J., BIOUCAS-DIAS, J. M. & FIGUEIREDO, M.A.T. (2009): Determination of the composition of counterfeit Heptodin tablets by near infrared chemical imaging and classical least squares estimation. Analytica chimica acta, 641, 46-51.
14. WERTHEIMER, A. I. & NORRIS, J. (2009): Safeguarding against substandard/counterfeit drugs: Mitigating a macroeconomic pandemic. Research in social & administrative pharmacy : RSAP, 5, 4-16.

فرنسيس كريك ... وداعاً ....

" لقد اكتشفنا سر الحياة" 
" فرنسيس كريك في 28 .2 . 1953 "

        في يوليو من سنة ( 2004 م )، جمع العالم الكبير فرنسيس كريك ( Francis Crickأدواته: " النظر والشم واللمس والذوق والسمع والعقل ورحل، ليس لأنه تعب وعجز عن العمل ولكن – اذا جاز لي ان أستعير تعبير كازانتزاكي – عاد الى بيته الارض ، ... ، لان الشمس قد غربت ". وبوفاة كريك عن عمر يناهز 88 عاما ، يكون قد انقضى أكثر من نصف قرن، على محاولته الناجحة مع رفيقه جيمس واطسون ( James Watson ) لاكتشاف الشفرة التي كتب بها ما يعتبره الكثيرون سر الحياة.

ويرجع استخدام تعبير "سر الحياة" هنا، الى حقيقة ان " الآلية الأساسية " التي تمكن الكائن الحي من أن يعطي خلفا يرث عنه صفاته، هي أكثر الصفات فرادة، من بين تلك تفرق بوضوح بين الكائن الحي والجماد. وكان الفيلسوف والعالم الاغريقي "أرسطو" ، قد المح لتلاميذه ذات مرة، بأن السر في تمكن الكائن الحي من التكاثر، هو اشتماله على فكرة – أو مخطط - بناء كائن حي آخر . و حسب تبسيط " أرسطو " فان فكرة – أو مفهوم - الدجاجة متضمنة في البيضة، كما أن جوزة شجرة البلوط تكون مزودة بالمعلومات اللازمة لمشروع تكوين شجرة البلوط .


غير أن فطنة ارسطو المبكرة هذه، لم تلقى الاهتمام الجدير بها طوال قرون عديدة. ولم يشك أحد - طوال القترة التالية له من الزمان - بان المخطط الذي قصده أرسطو هو بالمعنى الحرفي " شفرة " مكتوبة بمواد كيميائية تسكن في قلب خلايا الكائن الحي.

اللغز المهيب :


و مع انتهاء السنوات الخمسين الاولى من القرن الماضي، تجمع للعلماء كم معقول من المعارف حول آلية الوراثة . ولعل أكثر تلك المعارف اساسية، تلك التي جاءت في القرن التاسع عشر ، كثمرة لتجارب القس التشيكي" مندل " (Mendel G. J. ) على النباتات، والتي تتلخص في ان الصفات الوراثية تورث من السلف الى الخلف ليس بشكل عشوائي، وانما حسب قاعدة معينة متكررة. و لا ننسى بالطبع الاكتشاف المهم بان المادة المسئولة عن نقل الصفات الوراثية تستقر في الصبغيات ( الكرموسومات ) المتمركزة في أنوية الخلايا. وكان العالم " ايفري " قد حدد التركيب الكيميائي لهذه المادة ، التي نطلق عليها في الوقت الحاضر اسم " الحمض النووي الريبي منقوص الاوكسجين " ، والتي يختصر اسمها عادة الى " دنا " بالعربية نقلا عن الاختصار الانجليزي ( DNA ).

ولكن كيف يمكن لهذه المادة أن تنقل صفات مختلفة، وبأية كيفية يمكن لها أن تسجل الكم الهائل من المعلومات التي تصف تركيب كائن كامل، بكل التعقيد الذي خلقه عليه الخالق؟ هذا هو السؤال الذي راود المختصون. وحار العلماء في الاجابة على هذا السؤال، ولم يراود معظمهم أي إحساس، بأنه خلال سنوات قليلة فقط سينكشف الغموض عن اللغز الذي بدا لزمن عصيا على الحل، وذلك بعمل من أعمال الفكر المجيدة على يد" كريك " وزمليه " واطسون" .



نظرة من الخارج:

         كثير ما نكتشف من دراستنا لتاريخ العلم ، أن بعض أفضل النظريات التي تقود الى حل مشكلة علمية عويصة في مجال معين، ينجزها مختصون في مجالات علمية اخرى مختلفة أشد الاختلاف. وفي موضوعنا هذا أتت أنجح نظرة الى المشكلة التي واجهت علماء الحياة من الحائز على جائزة نوبل إرفين شرودنجر ( Erwin Schrodinger) وهو أحد علماء الذرة الكبار . و قد صاغ " شرودنجر " رأيه حول الوراثة، في مجموعة من المحاضرات القاها أثناء اقامته في دبلن سنة 1943 ، والتي من خلاصتها صاغ كتابه المعنون باسم ( ما الحياة ؟ ). وفي الكتاب المذكور وصل شرودنجر في تحليله لموضوع الوراثة الى الجملة التي يقول فيها: " ان الصبغيات ، .... ، تحتوي في ما يشبه المخطوط المشفر كل مستقبل الفرد وادائة الوظيفي في حالة البلوغ" . ولقد كان في تحليل شرودنجر هذا لمحة خارقة من العبقرية، التي لفتت انتباه كل من كريك و واطسون . وقد ذكر واطسون بعد سنين ، أنه منذ اللحظة التي طالع فيها كتاب شرودنجر ، استولى عليه الاهتمام بمحاولة اكتشاف سر " الدنا".

الرجل والرفيق:

       ولد فرنسيس كريك في بريطانيا سنة 1916 ، و درس الفيزياء، غير ان دراستة العليا للحصول على درجة الدكتوراه في جامعة لندن ( University College) انقطعت نتيجة لاشتعال الحرب العالمية الثانية. وبعد انتهاء الحرب بسنتين ، وجد كريك لنفسه مكانا في مجال الابحاث الخاصة بعلم الحياة في جامعة كامبريدج البريطانية. وبعد ذلك بأربع سنوات التقى كريك مع الباحث الامريكي واطسون وعمل معه لمعرفة تركيب الدنا، وقد اثمر عملهما المشترك في وضع تصور لكيفية تشفير المعلومات الورائية في الدنا، والذي انكشف من خلال اكتشاف التركيب الحلزوني لهذه المادة .

        ولقد جاءت معظم الاستنتاجات المبدئية التي توصل لها الباحثان نتيجة لعمل من اعمال الفكر الخالص، ثم حصلت مصادفة جعلت الباحثين يثقان في ما توصلا اليه من استنتاجات . ففي أحد الايام تناقش واطسون مع الباحث موريس ويلكينس ( Maurice Wilkins ) من الكلية الملكية في لندن حول النتائج المخبرية لفحص مادة الدنا بوسطة الأشعة السينية . وقد أطلع موريس واطسون على بعض الصور الاشعاعية الواضحة التي حصلت عليها الباحثة روزالين فرانكلين ( Rosalind Franklin ) التي تعمل معه في نفس المعمل حول تركيب الدنا. وبدا في بعض الصور الاشعاعية التي شاهدها واطسون ظل متقاطع يشبه الحلزون، وهو الامر الذي سر له كثيرا ، لأنه عرف انذاك أنه وكريك كانا يسيران في استنتاجاتهما على الطريق الصحيح.

       وفي 28 فبرير سنة 1953 اعلن كريك و واطسون اكتشاف تركيب " الدنا" ، وتم نشر اكتشافهما في مجلة نيتشر ( Nature ) في 25 ابريل من سنة 1953 م. و بعد مرور تسع سنوات تقريبا حصل كل من كريك و واطسون و ويلكينس على جائزة نوبل . وفي سنة 1977 م انتقل " كريك " للعمل في موسسة سالك ( Salk Institute ) في الولايات المتحدة و اقام هناك حتى وفاته. وقد شارك " كريك فيما بعد في بعض الأبحاث المهمة الاخرى في مجال علم الحياة ، والف او شارك في كتابة حوالى 130 دراسة علمية ، والعديد من الكتب.

       أما روزالين فرانكلين فقد ماتت في سن مبكر بمرض السرطان الذي نتج عن كثرة تعرضها للاشعة السينية اثناء قيامها بالابحاث . ولم تكن العالمة – لسوء الحظ – تدري حتي يوم وفاتها بالدور المهم الذي لعبته الصور التي التقطتها في اكتشاف تركيب الدنا . وقد ذكر موريس في حوار مع كاتب سيرتها، أنه سمح لنفسه باطلاع واطسون على الصور التي التقطتها روزالين بدون اذن منها، وبدون علمها على لأنه كان يعمل معها في نفس المختبر على نفس الموضوع.

الحلزون المزدوج: 

       وفي المقال الذي نشر في مجلة " نيتشر " أوضح كريك و واطسون ان جزيئات " الدنا" تنتظم في الفراغ على شكل حلزون مزدوج ( double helix ) و اشارا الى اهمية هذا التركيب من ناحية تمكينه " الدنا " على اعادة نسخ نفسه مرة بعد اخرى. والشئ المهم الجديد في هذا الاكتشاف ، هو ان تركيب الدنا يختلف من شخص الى آخر ، وأنه يحمل الشفرة التي توضح طريق بناء كائن حي جديد يحمل الخصائص التي ورثها طبقا للمعلومات المشفرة في "الدنا" الذي ورثه من والديه .


أهمية الانجاز:

        ربما قد لا يعرف البعض أن اكتشاف تركيب " الدنا " يعد أحد أهم اكتشاف القرن العشرين، إن لم يكن في راس قائمة الاكتشافات العلمية العظيمة كلها. وفي هذا الصدد يذكر العالم الفرنسي الحائز على جايزة نوبل جاك مونو ( Jacques Monod ) في كتابه المصادفة والضرورة الاتي : "... ، ان تعريف مندل للمورثة كحامل ثابت للسمات والوراثية ، وتحديدها كيميائيا من قبل ايفري ... ، وتوضيح القواعد البنيوية لثباتيتها التناسخية من قبل واطسون وكريك ، كل ذلك يشكل دون شك الاكتشافات الأساسية من بين كل الاكتشافات التي تمت في علم الحياة ، ...، ".

        أما مات ريدلي ( Matt Ridley ) مؤلف كتاب الجينوم ( Genome ) فقد وضع كريك في مصاف كل من نيوتن واينشتين وداروين . ومن المعروف أن الكثير من الجمعيات العلمية المرموقة احتفلت رسميا سنة 2003 م بمرور نصف قرن على اكتشاف تركيب " الدنا " ، الذي وضع الأساس المتين لمستقبل علم الحياة والطب الحديثين .


___________________________________________________ 
 Copyright© 2014 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher 
 حقوق النشر محفوظة © 2014 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر

الجمعة، 15 أغسطس 2014

تقديم كتاب " متعة اكتشاف الأشياء "

        كيف يفكر عباقرة العلم ، وكيف نعين اطفالنا على تطوير مهارة التفكير المبدع؟ الاجابة على مثل هذا السؤال الذي قد يخطر على بال بعضنا ، هو ما نحصل عليه بشكل غير مباشرة من مطالعتنا لكتاب " متعة اكتشاف الاشياء" من تعريب ابتسام الخضراء ونشر مكتبة العبيكان ( 2005 ) . والكتاب عبارة عن تجميع لمجموعة من أعمال الفيزيائي الامريكي ريتشارد فاينمان ( Richard Feynman ) الحاصل على جائزة نوبل سنة 1965 عن دراساته في مجال فيزياء ميكانيا الكم ( Quantum ).

ويعتبر فاينمان الذي توفي سنة 1988 ، أيقونة شارحي العلم للعامة، حتى انه اصبح ظاهرة يطلق عليها البعض اسم " الهوس بفاينمان ". ويرجع هذا لقدرته على تبسيط اعقد الافكار بشكل فكاهي مميز ، لكي يسهل فهمها من قبل الجمهور العادي.

فصول الكتاب

               يقع الكتاب في 13 فصلا ، تحتوي على مجموعة من المحاضرات وبعض اللقاءات كما تضم التقرير الخاص بتحليله لاسباب تحطم مكوك الفضاء تشالنجر ( Challenger ) ، بصفته رئيس لجنة التحقيق التي شكلتها الحكومة الامريكية آنذاك، لدراسة اسباب الكارثة.

وتلقي فصول الكتاب الضوء على بعض أوجه الشخصية المعقدة لهذا الفيزيائي . و تنقلنا السطور إلى اجواء محاضرات ولقاءات فاينمان ، لنشاركه متعة اخذ الامور بفكاهة وقلب الافكار راسا على عقب ، كاننا امام عرض ، يلعب فيه دور العبقري والمهرج متنقلا من بين الدورين بسلالة لا تدرك إلا بعد حين. كما تكشف لنا المحاضرات عن اهتمام هذا الفيزيائي بالكثير من المجالات التي تتخطى الحدود المالوفة لتخصصه، حيث تاخذنا احداها إلى اليابان لنجده يقدم اقتراحات لحل بعض مشاكل الكومبيوترات الفائقة الاداء. كما ننتقل مع الكتاب إلي سنة 1959 ، لنشهد ولادة " تقنية ثورية جديدة " على يد فاينمان ، خلال محاضرته الشهيرة التي ناقش فيها فكرته عن امكانية التصغير البالغ للاشياء ، وهو الامر الذي يعرف الآن باسم " تقنية النانو " . وقد وصف فاينمان هذه التقنية بانها ممكنة ، و تعهد وقتها باعطاء جائزة لاول من يتمكن من تحقيقها عمليا.


و يتطرق الكتاب إلي احدى المحطات الرئيسية في حياة فاينمان ، ونقصد بهذا دوره في صنع القنبلة الذرية الاولى في لوس الاموس (Los Alamos ) المحاط بالسرية، لنتعرف على ذكريات فاينمان عن تلك الحقبة وملابساتها . و لا يفوت فاينمان ان يخبرنا في اكثر من موضع ، عن الدروس التي تعلمها من والده حول متعة اكتشاف الاشياء ، لنكتشف ان ما جعل من منه عالما غير عادي ، هو فضوله الطفولي ، و ادمانه التفكير في كيفية عمل الاشياء ، وهي السلوك الذي يكافئ أصحابه باللذة و بهجة الحصول على الكثير من الاسئلة والشكوك الجديدة.


أسلوب الكتاب

            وبعض فصول الكتاب ذات اسلوب سردي محض ، وبعضها الاخر ذو صبغة اكثر تقنية . وقد اعد الكتاب عن تسجيل لمحاضرات ولقاءات بصورتها الاصلية وبدون تنقيح و اعداد للنشر المطبوع، وهو الامر الذي لا يخفيه الناشر . وبالرغم من نجاح الكتاب في تقديم فكر فاينمان وهو يعمل ، بدون رتوش ، إلا ان هذه "المباشرة " هي نقطة الضعف الرئيسية في الكتاب. فاسلوب فاينمان وهو منطلق على سجيته يتميز بالحماسة التي تجعله يكرر بعض الافكار اكثر من مرة ويتجاوز بعض الافكار الاخرى المهمة بسرعة نتيجة لمعرفته للمستوي الثقافي لمن يستمعون اليه مباشرة . ولعل اكثر الاجزاء وضوحا في الكتاب ، هو التقرير حول كارثة تشالنجر.

و لاتعطي الحواشي شرحا كافيا حول المصطلحات التي تشملها فصول الكتاب، مما يزيد من صعوبة مطالعته. كما تقع احدى الحواشي - اسفل صفحة 67 - في خطا تاريخي عندما تذكر ان الحركة البراونية اكتشفت سنة 1928 من قبل روبرت براون ،  بينما يرجع هذا الاكتشاف إلى سنة 1827 .

وبالرغم من ان بعض المواضيع ترجع إلي اكثر من اربعة عقود مضت، الا انها لاتزال صالحة للنقاش حتى اليوم. و حتى وان كانت بعض محطات الكتاب بعيدة عن اهتمامات القاري غير المتخصص ، فلا يجب ان يعد هذا عقبة امام التمتع بمطالعة الكتاب، لان بعضا من عبقرية فاينمان تتجلى في قدرته على تبسيط اعقد الافكار العلمية.

د. أحمد عبد السلام بن طاهر
أستشاري بقسم الأمراض الباطنة والروماتيزم في مستشفى أويرباخ في المانيا، ورئيس منتدب لقسم أمراض الروماتيزم بمستشفى "قريف" في بولندا، سابقا.
شارك في تأليف مرجع الروماتيزم الألماني الصادر سنة 2001 و 2008
متحصل على شهادة البورد وعلى شهادة الدكتوراة .PhD في طب الروماتيزم
استشاري أول طب الروماتيزم . سنة الحصول على درجة التخصص 1990
متحصل على شهادة البكارليوس في الطب والجراحة عام 1984م.
للاستشارات عن طريق الواتس اب والتيليغرام : 0928665810 (ليبيا)
الايميل: alregwa@gmail.com  

___________________________________________________ 
 Copyright© 2014 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher 
 حقوق النشر محفوظة © 2014 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر

الخميس، 14 أغسطس 2014

نقص افراز الغذة الدرقية

          تدعى حالة نقص افراز الغدة الدرقية باسم قصور الدرقية (Hypothyroidism ) ، وفيها تنخفض مستويات عمليات الاستقلاب التي تظهر على هيئة شعور بالبرودة ، وبطء ضربات القلب. ويعاني المرضي من الامساك وبطء الحركة و ردود الافعال، كما ينخفض فيها مستوى القدرات العقلية للمصاب من بين اعراض وشكاوي اخرى مختلفة، قد تطال حتى الجهاز الحركي و الشعر والاظافر . وتترافق هذه الحالة عادة مع غلاظة وتورم الجلد وهي الحالة التي تسمى الوذمة المخاطية ( myxedema) . وعند الاصابة بقصور الدرقية عند المواليد ، يؤدي عدم العلاج المبكر الي حالة من التخلف المسمى الفدامة (cretinism ) والتي تعني خلل التطور بسبب درقي (الغدة الدرقية ).

د. أحمد عبد السلام بن طاهر
.Dr.med. Ahmed A. Ben Taher
استشاري أول طب الروماتيزم. سنة التخصص 1990.
متحصل على شهادة البورد وعلى شهادة الدكتوراة .PhD  في طب الروماتيزم
شارك في تاليف مرجع الروماتيزم ألالماني الصادر سنة 2001 و 2008
للاستشارات عن طريق الواتس اب والتيليغرام : 0928665810 (ليبيا)   

___________________________________________________ 
 Copyright© 2014 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher 

 حقوق النشر محفوظة © 2014 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر

نحن واليابان

          قرأت بإعجاب مقال د. سليمان ابراهيم العسكري " نحن واليابان... نظرة عربية جديدة إلى الشرق " المنشور في عدد فبراير 2008 من مجلة العربي، وأتفق معه على فائدة التعاون مع هذا البلد العملاق في مجال التعليم .

مشكلة اللغة اليابانية:

         غير ان هذا التعاون يحتاج إلى تجاوز عقبة ضخمة اسمها اللغة اليابانية. فالتمكن من هذه اللغة بشكل كاف يحتاج الى الانتظام في الدراسة لسنوات عديدة ، ولا يكفي التزود باللغة الانجليزية وحدها. و تشكل صعوبة اللغة اليابانية مشكلة لأصحابها أنفسهم ، وتقف خلف ضعف صادراتهم الثقافية والعلمية على الرغم من وفرة الاسماء العظيمة عندهم في كل مجالات الثقافة والعلم. و لهذا فاليابان ، كما يقول المفكر " الفن توفلر " :" متخلفة عن الولايات المتحدة في أهم مجال من مجالات التنافس على السلطة والقوة ، أي مجال إنتاج ونشر الأفكار والمعلومات والصور الانطباعية ".

لزوم وجود خطة للتعاون مع اليابان:

         وتعاني بلاد الشمس المشرقة ، قلة الوافدين اليها للدراسة مقارنة بأعداد من يغادرونها للدراسة في الغرب. ولهذا فالاتجاه نحو اليابان يستلزم وجود خطة متكاملة، تعنى أولا بإدخال اللغة اليابانية إلى نظم التعليم العربية. وهذا سيؤدي إلى جعل الدراسة في اليابان منافسة للدراسة في الدول الناطقة بالإنجليزية أو الفرنسية . كما سيفيد في تعميق العلاقات الثنائية و يمد جسور فهم الآخر بين العرب واليابانيين على السواء . وسيسعد هذا اليابانيين بالتأكيد ، وسيؤكد على جدية العرب في الحصول على مساعداتهم الثقافية والعلمية . وليس سراً أن هناك جدلا كبيرا يدور بين الصفوة في اليابان بشأن الدور المفترض ان يلعبه بلدهم على المستوي العالمي . وتقترح ألكثير من الاصوات هناك، بان تركز اليابان على مد تأثيرها الثقافي والعلمي إلى الدول النامية أينما كانت، كما ذكر توفلر .

لزوم الانتقائية للاستفادة من العلم الياباني:

         وبالطبع ليس لنا هنا إلا أن نذكر بأن تكون الاستفادة من العلم الياباني إنتقائية، و ذلك بالتركيز على المجالات التي تتفوق فيها اليابان، كالموصلية الفائقة و الشرائح الالكترونية وتقنيات الاتمتة الآلية و الانسان الآلى .أما فيما عدا ذلك ، فيفتقر نظام التعليم الياباني بشكل لا مجال لإنكاره إلى الجودة العالية التي تتمتع بها السلع الاستهلاكية اليابانية. وفي الواقع فان هذه الاستراتيجية الانتقائية هي ذاتها التي استخدمتها اليابان لتتشرب العلوم والتقنيات التي تعوزها في فترة الاصلاحات الثورية للإمبراطور ميجي ( 1868 ) ، التي أثمرت الموقع الياباني الحالى على خارطة العالم والتاريخ. فقد أرسل الطلبة اليابانيون آنذاك إلى بلدان اوربية بعينها، ليدرسوا العلوم التي تتفوق فيها كل منها على غيرها . وهنا يمكننا ان نلخص ثنائية المعادلة التي مهدت طريق اليابان نحو المستقبل : الارادة السياسية الصادقة والتخطيط المتكامل للوصول إلى الهدف المحدد جيدا .

هناك تشابه بين العرب واليابانيين:

         أما ما يشدد عليه البعض ، بخصوص الدور المركزي للعامل البشري في تجربة اليابان، أي أهمية الخصائص الفريدة لهذا الشعب ، فاعتقد أنه اقل أهمية من أطراف معادلتنا السابقة. و حتى في هذا الجانب لدينا نحن العرب الكثير من الأوجه النفسية والفكرية المشتركة مع اليابانيين. فمن ناحية يتشابه تأثير إرثنا القبلي من نواحيه الاجتماعية والفكرية إلى حد بعيد مع الإرث الإقطاعي الذي يحتل مكانا حصينا في العقلية اليابانية حتى اليوم. و لا ننسي الموقع الباهر الذي تصدره الشعر في الثقافتين العربية واليابانية . و إذا لم يكن هذا كافياً ، فما بالك بالتعلق بالماضي والتقاليد الذي يتشارك فيه الاثنين. ورغم تشابه معاناة مفكري الشعبين من مرارة احداث التاريخ السابقة، التي تضل كابوساً عابثا بأرواحهم ، الا أن الامر لا يصل إلى ذروته الدرامية إلا عند اليابانيين. وهذا ما وصفه " غابرييل غارسيا ماركيز " ذات مرة في قوله "الحقيقة أني لم أكن أعرف شيئا يقينيا عن الروائيين اليابانيين ، سوی أنهم سينتهون جميعهم، عاجلا أو آجلا ، إلى الانتحار ".

___________________________________________________ 
 Copyright© 2014 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher 
 حقوق النشر محفوظة © 2014 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر

الطبيب المقدس!

                  ترى ما الذي يدعو لوجود مزار ديني لطبيب الماني في طوكيو ؟ سألت نفسي هذا السؤال متعجبا ،وأنا أقف امام المزار الصغير الواقع إلى الجنوب من وسط طوكيو . وازدادت دهشتي أكثر لكونه مزارا خاصا بديانة الشنتو ( الشنتوية )، وهو ما دل عليه وجود تمثال لطائر كبير، وباقي الرموز الآخرى الدالة على الحياة الخالدة عند اليابانيين.

الألوهية في ديانة الشنتو:


          قد يبدو الأمر عاديا ، غير لافتا للانتباه لمن لا يعرفون ديانة الشنتو، أما الحقيقة فهذا أمر استثنائي جدا، حتى أنه يصعب تصديقه للوهلة الأولى . ويرجع هذا لكون " الشنتوية " ديانة يابانية خالصة تخص الشعب الياباني بنفسه كعنصر متفرد، وليس لها أي علاقة بكل ما ليس يابانيا حتى النخاع من البشر.

        وتدعى هذه الديانة في اللغة اليابانية القحة باسم "كامي نو ميتشى" (Kami no michi )، وتحتل كلمة "كامي" موقع الصدارة في هذه الديانة ، وتعنى " الوهية " . وكل من يقام له مزار شنتوي ، يعتبر مقدسا ، مما يعني أنه يمكن التقرب إليه بتقديم الأعطية واقامة طقوس العبادة الخاصة، سواء للحصول على منفعة أو للوقاية من الضرر. وفي العادة يكفي أن تحتوي المزارات المذكورة بعضا من الشيء ذو القدسية فقط ، وليس كله كاملا.

... و اذا ، فقد كنت وقتها واقفاً أمام مزار " طبيب مقدس " لاتباع ديانة الشنتو، رغم أنه كان مسيحيا ، ولم يكن حتى يابانيا اصلاً! .... الم يكن لدي كل الحق في دهشتي الكبيرة، و كل علامات الاستغراب التي ارتسمت على وجهي آنذاك ، بينما كان رفيقي الياباني يتامل تعابير وجهي ، منتظرا أن أقول شيئا مفهوما .

الاعجاب الياباني بكوخ:


            - إذا فقد تجاوز اعجابكم بـ روبرت كوخ ( R. Koch ) كل حد ، لدرجة أن أقمتم له مزارا في طوكيو طبقا لديانتكم الخاصة. قلت مرتبكا.

           - انه " كوخ " ياعزيزي ... . قال رفيقي بتأدب بالغ ، وزم شفتيه بطريقة محاربي الساموراي للتأكيد. ثم لم يلبث أن مطهما برقة، وأردف هامسا كمن يفشي سرا خطيرا : " انه تقدير لم يحصل عليه أي أجنبي آخر في تاريخ بلدنا"

كان مرافقي يدري أني – كطبيب - أعرف الكثير عن " كوخ " هذا ، ليس كمكتشف لميكروبات الجمرة الخبيثة و السل والكوليرا، أو لحصوله على جائزة نوبل للطب فحسب، بل لأني اخبرته ذات يوم بعض الأشياء الآخرى عن جاري "روبرت كوخ". في تلك المرة اتسعت عينا رفيقي بشدة وهو يقاطع حديثي صائحا " جارك ... كوخ! " . وقتها أخبرته ضاحكا أني أدعوه " جاري "، منذ أن اكتشفت ذات مرة ، اني أقطن على بعد امتار قليلة ، من أحد مساكنه السابقة.

غير أن حصيلة معلوماتي ، لم تسعفني في الوصول إلى سر تقديس اليابانيون لكوخ. وفي الحقيقة ، لم اتذكر أن "جاري" هذا ، كان قد عمل في اليابان، أو أن لهذا البلد حكاية خاصة مع احدى الامراض التي اكتشفها هذا الطبيب الفذ .

في النهاية طرحت افكاري بشكل موجز ، وتبعتها بالسؤال ... تري هل خانتني الذاكرة ؟ .... كان على رفيقي الاجابة ، فصمت لبرهة ، و انزلق جفناه فغطيا نصفي عينيه تقريبا، فبدا كما لو أنه مريض اعيد إلى الحياة فجاة، بعد عملية انعاش رقيقة.

           - لا .... قال رفيقي ، ... بل كل ما في الامر قصة علاقة انسانية جميلة.

رفاق إلى الابد ! :

          القصة عرفتها بالتفصيل فيما بعد ، بعد مطالعتي ما ذكره عنها الاستاذ الالماني " بيرند فيرنر" ( B. Werner ) في أحد كتبه . فرغم أن "كوخ " لم يعمل في اليابان عليىالاطلاق - كما ذكر الكتاب - إلا أن تقدير اليابانيين له يرجع إلى تفضله بتعليم الكثير من الأطباء اليابانيين أثناء رئاسته لمؤسسة القيصر فيلهلم الطبية في برلين ، عندما كانت اليابان لا تزال بلدا متخلفا، أخذ لتوه يحبو علي بساط الطب الحديث.

           وكما ذكر الاستاذ " فيرنر " فقد أقيم مزار "روبرت كوخ " بناء على أمر " شيباسابورو كيتاساتو" (S. Kitasato)، الذي عمل استاذاً في الجامعة التي تحمل اسمه في طوكيو حاليا. وكان هذا الياباني قد قدم إلى المانيا سنه 1886 ليدرس عند "كوخ" . ولسبب أو لآخر، تعضدت بين الاثنين صداقه تشبه علاقه الأب بابنه خلال السنوات الخمسة التي قضاها " كيتاساتو" في دراسته . وفى سنه 1892 ، غادر هذا الآخير المانيا عائدا إلى وطنه ليصبح عالماً مشهوراً ، بعد اكتشافه الجرثومة المسببة لمرض الطاعون .

         و في سنة 1908 تمكن " كوخ " من زيارة اليابان ، وقضى هناك عدة اسابيع، في ضيافة تلميذه النجيب، كما تمتع بالحفاوة البالغة التي أسبغها عليه هذا الأخير. و لشدة اعجاب التلميذ باستاذه ، حرص على الاحتفاظ بالشعر المتساقط من استاذه في أحد صالونات الحلاقة اليابانية، رغم عدم فهم " كوخ " للمغزى العميق والغير معتاد، الكامن وراء هذا العمل .

          وبعد مرور عامين على الزيارة ، تناهت الأخبار العاجلة إلى بلاد الشمس المشرقة بأن " كوخ " ذهب للقاء ربه، فامر " كيتاساتو" على الفور ، باقامة مزار لاستاذه وضع فيه الشعر الذى جمعه من قبل ، وذلك وفقا لطقوس الديانة الشنتويه الخاصة بالمقدسين. وبعد وفاة " كيتاساتو " سنه 1931 ، أقام له تلامذته هو الآخر مزارا بجانب المزار السابق.

          وحدث أثناء الحرب العالمية الثانية ، أن احترق مثوي " كيتاساتو " نتيجة لانفجار قنبلة . ولهذا نقلت ، بعد نهاية الحرب، بقايا الطبيب لتدفن في مزار "كوخ" ، لكي يرتاح التلميذ قرب استاذه جنبا لجنب. و كان هذا قدرا مدهشا حقا ، فقد سبق لكيتاساتو أن قال في الخطاب التأبيني الذي القاه يوم وفاة استاذه : " سيدي العظيم روبرت كوخ، انك ستظل معي - في فؤادي - إلى الابد" !

د. أحمد عبد السلام بن طاهر
.Dr.med. Ahmed A. Ben Taher
استشاري أول طب الروماتيزم. سنة التخصص 1990.
متحصل على شهادة البورد وعلى شهادة الدكتوراة .PhD  في طب الروماتيزم
شارك في تاليف مرجع الروماتيزم ألالماني الصادر سنة 2001 و 2008
للاستشارات عن طريق الواتس اب والتيليغرام : 0928665810 (ليبيا) 
https://aliada2.blogspot.com/


___________________________________________________ 
 Copyright© 2014 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher 
 حقوق النشر محفوظة © 2014 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر

المحطة الاخيرة قبل زرع الوجه كاملا

          خلال الأيام الأولى من شهر ديسمبر 2008، نجح فريق طبي من مستشفي كليفلاند ( Cleveland) الأمريكي في القيام بعملية الزرع الجزئية الاكبر حتى الان، لوجه ماخوذ من سيدة متوفية. وتم خلال العملية التي استغرقت حوالي 23 ساعة ، اعادة تكوين حوالي 80% من وجه المريضة . وكانت هذه السيدة التي لم يعلن عن اسمها ، قد تعرضت الي اصابة شديدة ، أدت الى فقدانها هذا الجزء الكبير من وجهها . كما تسبب الاصابة المذكورة في فقدان المريضة للقدرة على الكلام ، والتواصل الاجتماعي و الاكل العادي ايضا ، هذا بالاضافة الى عدم القدرة على التنفس الا عن طريق انبوب مزروع في عنقها.

وهذه العملية هي الأكبر والاغلى والاكثر تعقيدا بين عمليات الزرع الجزئي للوجه التي أجريت حتى الان ، وقد قام بها فريق طبي كبير تناوب على العمل خلال الوقت الطويل الذي احتاجته عملية تجهيز وربط الاوعية والدموية والاعصاب والعضلات وغيرها. وتعتبر هذه العملية هي أخر المحطات قبل القيام بعملية زرع الوجه الكامل .

و كانت المريضة قد خضعت للعديد من العمليات التصحيحية و الترقيعية خلال السنوات الفائتة بدون أي تحسن يذكر في الوظائف المفقودة ، و ذلك بسبب كبر حجم الجزء المفقود من وجهها، وهو الأمر الذي جعل الاطباء يقررون اجراء هذه العملية الغير معتادة . وبعد أن تحصل الفريق الطبي على الموافقة على إجراء العملية ، كان عليهم الانتظار طويلا للحصول على وجه مناسب من شخص متوفي. والحصول على وجه مناسب لعمليات زرع الوجه ، يعني الأخذ في الاعتبار السن واللون والجنس والتوافق النسيجي، وهي أمور لا تؤخذ كلها في الحسبان في عمليات الزرع الأخرى، كزرع الكلية مثلا. 

هذا و قد اعرب الفريق الطبي عن سروره ، بعد أفاقت المريضة من التخدير وأعطت إشارة تدل على سعادتها البالغة ، بعد انتهائها من تحسس وجهها الجديد المغلف بالضمادات ،واكتشافها وجود انف وفم كامل.

المسكينة حق لها أن تسعد ، فهي قد عرفت أكثر منا جميعا أهمية أن يكون للانسان وجه، لكي يستطيع ان يحيا في هذا العالم، الذي يحتاج فيه البعض الى أكثر من وجه !

د. أحمد عبد السلام بن طاهر
أستشاري بقسم الأمراض الباطنة والروماتيزم في مستشفى أويرباخ في المانيا، ورئيس منتدب لقسم أمراض الروماتيزم بمستشفى "قريف" في بولندا، سابقا.
شارك في تأليف مرجع الروماتيزم الألماني الصادر سنة 2001 و 2008
متحصل على شهادة البورد وعلى شهادة الدكتوراة .PhD في طب الروماتيزم
استشاري أول طب الروماتيزم . سنة الحصول على درجة التخصص 1990
متحصل على شهادة البكارليوس في الطب والجراحة عام 1984م.
للاستشارات عن طريق الواتس اب والتيليغرام : 0928665810 (ليبيا)
الايميل: alregwa@gmail.com  

___________________________________________________ 
 Copyright© 2014 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher 
 حقوق النشر محفوظة © 2014 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر

الأربعاء، 13 أغسطس 2014

القاتل الحلو في الخليج !

         شهدت سنة ( 2006 ) نشر أول دراسة طبية ، تؤكد بشكل قاطع حدوث حالة تسمم رضيع بعسل تجاري ملوث بذيفان السجقية ( botulism toxin ) في دول الخليج العربي. وهذا السم الذي يعتبر أحد اشد السموم المعروفة فتكاً ، تفرزه بكتيريا تلوث العسل في بعض الأحيان، سواء المنتج بطرق تقليدية أو حديثه. وبينما لا تستطيع البكتيريا المسببة أن تتكاثر في أمعاء الكبار في السن، إلا أن الظروف الخاصة في أمعاء الرضع الأقل من سنة عمرا، توفر لها إمكانية التكاثر و افراز سمها الزعاف. ولهذا السبب لا يتسمم الكبار بالعسل الملوث، بل الرضع فقط .

و في السابق ، كان هناك من يشكك في حدوث هذا النوع من التسمم في دول الخليج وباقي الدول العربية ، لعدم توفر ما يؤيد ذلك بالطرق المخبرية المتطورة. ويبدو أن عدم الشك في حدوث هذه الحالات، هو السبب في قلة تشخيص هذا النوع من التسمم في البلدان العربية، ودول العالم الآخرى التي تعاني من نقص وسائل التشخيص. وتظهر اعراض التسمم علی هيئة ارتخاء عضلات الجسم و ازدياد صعوبة التنفس بشكل مضطرد، وسقوط الجفنين . وينتهي من لم تكتب لهم النجاة بالموت اختناقاً خلال وقت قصير ، وهم في حالة شلل عضلي.

وقد تم التعرف علي هذا المرض عند الاطفال لأول مرة ، في نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي . وقد حدث هذا الاكتشاف في الولايات المتحدة الامريكية ، التي وصل عدد الحالات فيها حتی الان لما يزيد علی الالف حالة . هذا وقد اكتشف وجود البكتيريا المذكورة في عينات من العسل تم جمعها من أماكن متفرقة من العالم.

ولهذا أنصح الامهات بعدم غمس مصاصة الفم في العسل ، أو اعطاء العسل بصورته الطبيعية أو مخففاً للرضع اللذين لم تتجاوز اعمارهم السنة ، ليس خوفا من التسبب في التسمم فقط ، بل لامكانية اختناق هؤلاء الصغار بالعسل ايضاً ، نتيجة لعدم نضج آليات البلع عندهم بدرجة كافية .

___________________________________________________ 
 Copyright© 2014 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher 
 حقوق النشر محفوظة © 2014 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر

المراجع (References):

1. van der Vorst, M. M. J., Jamal, W., Rotimi, V. O. & Moosa, A. (2006): Infant botulism due to consumption of contaminated commercially prepared honey. First report from the Arabian Gulf States.. Med Princ Pract, 15, 456-8.
2. Schocken-Iturrino, R. P., Carneiro, M. C., Kato, E., Sorbara, J. O., Rossi, O. D. & Gerbasi, L.E. (1999): Study of the presence of the spores of Clostridium botulinum in honey in Brazil.. FEMS Immunol Med Microbiol, 24, 379-82.

3. Tanzi, M. G. & Gabay, M.P. (2002): Association between honey consumption and infant botulism.. Pharmacotherapy, 22, 1479-83.
4. Rall, V. L. M., Bombo, A. J., Lopes, T. F., Carvalho, L. R. & Silva, M.G. (2003): Honey consumption in the state of São Paulo: a risk to human health?. Anaerobe, 9, 299-303.
5. McMaster, P., Piper, S., Schell, D., Gillis, J. & Chong, A. (2000): A taste of honey.. J Paediatr Child Health, 36, 596-7.